روائع مختارة | واحة الأسرة | أولاد وبنات (طفولة وشباب) | وجه آخر للامتحانات.. يجب أن تراه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > أولاد وبنات (طفولة وشباب) > وجه آخر للامتحانات.. يجب أن تراه


  وجه آخر للامتحانات.. يجب أن تراه
     عدد مرات المشاهدة: 3156        عدد مرات الإرسال: 0

رغم أنه لا أحد يحب الامتحانات، ولا كلمة "الامتحانات"، فإن هذا لا ينفي أنها سنة كونية وقانون إلهي وضعه الله للبشر؛ لضمان تقدمهم وتحسن أحوالهم وانضباطهم والتزامهم بروح الجد والعمل.

 هذه السنة الكونية والقانون الإلهي لم يستثنِ الله منه أحدًا، حتى الأنبياء، فمن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، سار القانون على خط مستقيم لا يحيد عن أحد، حتى يتعلم البشر- كل البشر- أن حب الله للعبد لا يعفيه من اختباره.

وأن الاختبار ليس عقابًا في كلِّ الأحوال، إنما وسيلة من وسائل الحياة التي تعيش معنا ونعيش معها، تظهر وتختفي بقدر الله، فتكشفنا أمام أنفسنا حتى نضعها في مكانها الصحيح، فلا نغتر بأنفسنا، ولا ننزل من قدرها.

 في سورة الملك يرجع الله فلسفة الخلق كله إلى شيء واحد هو الاختبار؛ ليصبح الهدف من الحياة والممات هو تمييز الطيب من الخبيث والصالح من الطالح..

يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾ (الملك: من الآية 2).

 وإذا كنَّا نمر هذه الأيام بالامتحانات الدراسية، فإننا نستطيع أن نكون بإذن الله، من الذين ينضمون إلى طائفة "أحسن عملاً" إذا نظرنا لهذه الامتحانات من زاويةٍ أخرى، تستطيع أن تضيف إلينا في حياتنا الكثير.

 ماذا نتعلم من الامتحانات؟

لا شك أن الامتحان بكلِّ أنواعه سواء كان امتحانًا حيويًّا نتيجة مرور الإنسان بظرفٍ قاسٍ، أو كان امتحانًا دراسيًّا، يمثل بالنسبة للجميع دون استثناء أزمةً تأخذ وقتها إلى أن تنتهي.

إلا أن رحم هذه الأزمة يحمل الكثير من الفوائد، لو أدركناها لخرجنا من الامتحانات أفضل بكثيرٍ مما قبل، على المستوى الإيماني والنفسي والمهاري.

 أولاً: على المستوى الإيماني:

1- اللجوء إلى الله:

يمثل التعلق بالله حالةً من حالات الإيمان الفريدة التي يحب الله الإنسان عليها، وهي الحالة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم في السراء والضراء، لكننا كثيرًا ما ننسى الله، ولو استمرَّ الحال هكذا لضعف الإيمان بشدة.

ولجنح الإنسان إلى الدنيا، ونسي خالقه الذي ينعم عليه بالليل والنهار، وظرف الامتحان يحقق التوازن الإيماني بين الحين والآخر، ويذكِّر الإنسان بربه في دفعةٍ إيمانيةٍ يحتاجها، ليعيد حساباته مرةً أخرى، لحاجته الشديدة إلى الله.

 يقول تعالى: ﴿قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (64)﴾ (الأنعام)؛ فينظر إلى عباداته من صلاة الجماعة وصلاة الفجر ليجبر تقصيره فيها، ويلتزم بأذكار الصباح والمساء، ويذهب إلى مصحفه فيزيل من عليه التراب ويفتحه ليواظب على قراءة أوراده.

 2- الصبر:

يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾ (آل عمران)، فبدون الصبر تنعدم قدرتنا على جهاد النفس وتحمل ضغط الشهوة، ويزول العزم اللازم للبعد عن المعصية.

ونصبح في مهب الريح، وألعوبةً في يد الشيطان والهوى، وبدون الصبر تقل قدرتنا على الطاعة، ونصبح كسالى لا نصبر على بردٍ أو حرٍّ أو عطشٍ أو جوعٍ، أو كلمة تؤذينا أو نعمة تفتننا.

 3- التوكل:

يُعلِّم الامتحان الذين يحبون أن يأخذوا بشق واحد في التوكل على الله، وهو الاعتماد على الله باعتباره مسبب الأسباب دون الأخذ بالأسباب، إلا أن الامتحان يدفع الجميع بفطرته إلى أن يجتهد ويذاكر ويأخذ بالأسباب، وهو الشق الأول من التوكل.

ثم يتضرع إلى الله فيدعو في سجوده وعلى أبواب لجنة الامتحان وبعد الامتحان، فيتعلم التوكل بشقيه: الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله في النتيجة.. ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (الطلاق: من الآية 3).

 ثانيًا: على المستوى النفسي:

1- تحمل الضغط:

نحن نعيش الآن عالمًا مختلفًا، عالمًا سريعًا متسارعًا، لا يهدأ ولا يعطيك الفرصة أن تلتفت، عالم زادت فيه التنافسية إلى حدٍّ جعل الجميع يعيشون تحت ضغطٍ متواصل، ومع كثرة المشاغل والمشكلات أصبح السبق لِمَن يستطيع أن يعمل تحت ضغط.

إذا لم تتعرض أنت كطالب لهذا الضغط الآن، فإنك حتمًا ستصبح مطالبًا بالتعامل معه بعد التخرج والانخراط في دوامة العمل الوظيفي.

والامتحان يعطيك فرصةً لتجربة نفسك تحت الضغط؛ لتقيس درجة تحمُّل أن تقع تحت عامل المذاكرة ساعات طويلة من اليوم، وعلى درجة عالية من التركيز، وبرغبةٍ في الاستغناء عن وسائل الترفيه والنوم وقتما شئت، والأريحية التي كنت تعتاد عليها في الظروف الطبيعية.

 2- التعامل مع الصدمات:

ربما لا تأتي نتيجة الامتحان كما نرغب، وربما تأتي ليس بسبب التقصير وإنما لظروف يقدرها الله، خارجة عن إرادتنا، وفي هذه اللحظة ستعرف كيف تتعامل مع الصدمة كما يعلمك الإسلام؟، فلا تجزع ولا تسخط، إنما تُسلِّم أمرك لله وتظن به الخير، وتقوم لتبدأ مشوار النجاح من جديد، دون أن تدع لغيرك فرصة الشماتة فيك أو العطف عليك.

 ثالثًا: على المستوى المهاري:

1- الاستفادة القصوى من الوقت المتاح:

للأسف.. نحن شعوب تهدر قيمة الوقت، وتعتبره بلا ثمن، رغم أنه الشيء الوحيد الذي يذهب دون أن يعود، وفي هذا يقول الحسن البصري:

"يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك"، ويصف الأمام الشهيد حسن البنا الوقت وصفًا فريدًا بليغًا غير مسبوق، فيقول: "الوقت هو الحياة".

 لكننا نجد الكثير ينحر الوقت على أبواب التلفاز والكمبيوتر والأحاديث الفارغة، مع الاعتراف بضرورة وجود وقت للترفيه عن النفس دون مبالغة بالطبع.

وفي سبيل ذلك تهمل الواجبات ويقصر في تثقيف العقل وتربية النفس والإعداد للحياة، ليعود إلينا الامتحان ويعيد لنا احترام الوقت وإدراك قيمته واعتباره عنصرًا خطيرًا في النجاح على المستوى الشخصي وعلى مستوى المجتمعات.

فتبدأ في حساب عدد الساعات التي يمكن تفريغها للمذاكرة، ثم تقوم بعمل جدول دقيق يضع أهدافك؛ حيث تقرر الانتهاء من جزءٍ معينٍ في وقتٍ محددٍ تدرك بطبيعة الحال حجم المشكلة التي ستحدث لك لو لم تنجح في الانتهاء منه في الوقت المحدد، وعندها تصبح دون أن تدري آلة إنجاز لا تتوقف، في سلوكٍ لو انتهجه المسلمون لعادوا إلى أمجادهم بلا شك.

 2- ترتيب الأولويات:

عندما تكثر المسئوليات وتزدحم المهام في وقتٍ محدودٍ، تصبح الحاجة ملحةً إلى مهارة ترتيب الأوليات، وهي مهارة تعلمنا إياها الامتحانات، فهي تجعلنا نضع المذاكرة أولوية أولى دون الإخلال بإقامة الشعائر، وتجعلنا نضع الراحة والترفيه في مرتبة متأخرة.

كما تجعلنا نُقلِّص وقت الزيارات والاتصالات، وهي مهارة يحتاج إليها كثيرًا كلُّ منه له رغبة في النجاح.

 هكذا نرى في الامتحانات وجهًا جميلاً للتقرب إلى الله والدخول في تجربةٍ تعلمنا الكثير من أمور الحياة؛ لتجعلنا إن شاء الله من الذين يضعهم الله في صفِّ الصالحين الفائزين، عندما يميز الله بين البشر يوم القيامة.

الكاتب: أحمد صلاح